الأحد، 14 أبريل 2013

أيننـا من السبات ؟


قاسٍ ..
الأيام القاسية , أو النفس القاسية

ماذا بقيَ من ساعاتِ الغفوِ ؟
سامرُ العيساوي ما زال يعاني من غصـة الإضراب ..
268 يوماً على الألم والوجـع ..

ألا يستحقّ منـا بعضاً من اهتمـام .
نحن الآن نملكُ همّـاً ..

في قصصِ الحب الواهيـة والغزو الثقافي البشع . كلها لا نجهل مضارها
لكننـا جهلنـا أنفسنـا أين .
إلـى أين ؟
إلــــــــــى أينَ

بالرّب ألا يستحق انتفاضة ؟
أنتَ تأكل وتشرب وتنـام وترفّه
وتضيع وقتكَ على فيس بوك وغيره ..
أما لو جعلتَ لنفسكَ نصفَ ساعةٍ يومياً تنصرُ فيها بلدك كانَ خيراً ؟ 


ناديـة عوني ..

حسرةٌ على لا أدري ..


حقاً !

أخبريني ماذا فعلتِ ؟
أهذا ما قررنـاهُ من البدايـة ؟


حسرةً عليّ 
أو عليكِ أو على لا أدري .. 

صداقةٌ حقـة .
باركَ الله لكَ و حملكِ على مراتبٍ تتمنيها في ظل عقلكِ القاسي .. 

وسلامٌ على الدنيا إذا لم يكن فيها صديق صدوقاً خالصَ الوعـد منصـفاً 



نادية عوني ..

الجمعة، 5 أبريل 2013

من رواية : أنتظِرُ واقعـاً .. نـآديـة :)



أنتـظِرُ واقعـاً ..

وحده من يملك الجرأة كل الجرأة على مراوغتي بصمت , هو النبض في شخص حي وميْت , وميض الخير والحسن .

وتبقى نفحات ترابك نفَسي , وقطرات ترابك سقياي على فصل واحد من السنة , ألا تعتقدين أن الفصل لا يكفي لرويّ باقي الأيام على مدار السنة ؟1 كيفَ سأرتوي بغياب الماء ؟ كيف سأعيش بدونه ؟
الآن وأنا أنظر إليك في ورقة ليست صماءَ بقدر ما تحتويه أنتِ في الأرض التي لا أسكنها على أشخاص صماء, وعقول صماء, وعيونٍ صماء , إلا في اختيارك .. فهم ليسوا كما قلت .. بل .. هم وِقفة دلالة على جمالك وروعتك ونفسك الطاهر .
لم أُخلق بتلك الأيام التي تثبت أني من ترابك ومن عروقك وماء جسدي من أغشيتك ,, 
قبلَ اليوم , لم أكن أؤمن بمقولة " لا أحد يبقى لك في هذه الدنيا " ولا زلت لا أؤمن أبداً بأن الكل راحلٌ ولا أحدَ مخلد , إلا أنت .. الروحُ الخالدة لكَ وحدَك.
كل القصص البطولية إلا أن يكونَ فيها عاشقٌ وحبيب وولهانة , وفي نهاية المطاف لا تنتهي بالسعادة إلا ما ندر, إلا على قدر قطرات مطر في فصل صيف قاحل.
كلماتي عاشقة بولع , وولهانة حد الوجع , لكنني لا أملك في قصتي شخصاً بطولياً عاشقاً وولهاناً بالمعنى المبادر إلى الذهن .
أنا لا أكتب فقط لأقول أن الحبيب يقطع مسافة الأرض كلها, وبراكين المصائب أجمع , ومخاطر التقبل الشرسة على مدار السنة فقط ليحيي الحب العنيف بينه وبين معشوقه .
لا !
ولستُ أملك شخصية واقعية بتلك الصفات الأصيلة أصلاً , لأنه لا يوجد أصلاً واقعاً.
على أنقاضِ الحياة نرتكب جرائم تجعلنا نتمنى لو لم نكن على أرض الواقع , وعلى الركام نخلق أحداثاً تجعلنا هيبة العالم على منصة الواقع.
ويبقى هذا العاشق الولهان في قصتي غامضٌ غير موجود , فهو بقدر وجعه وجنونه وحبه .. ضاع بين كدمات الصدمة. بدأت القصة وتدحرج القلم على غير هدىً من التنفيس , ينطق الحروف على أمل غير معهود ..

كتاآبات : نادية عوني ..


الأحد، 10 مارس 2013

أحبــكِ جداً


أحبــكِ جداً أمـــي 


بِحـشْوِ تُـرَبِ الأرضِ الخـالدة 


أقسَمـْتُ ألاّ يعشَـقـكِ سِوايَ على هـذهِ الشـاكلة 



وقْتَ كنتِ أمّـي وأبي على هذِهِ الأرض 



على هذِه الأرض لن أعشَقَ سواكِ يـا أرض 



يا أرضَ الأمِّ في أرضِ الربَّ على هذه الأرض يا أمـي 



دمُ المخـاضِ وحدَهُ أوجدني 



مع كلِّ قطرةٍ حدّ البعدِ آلـمَكِ وربُّ الوجودِ أبـدَعَ حِمــاكِ وأبدَعَني 



ومع صلاةِ الرمـالِ الحالكة .. 






أرخـت عليّ حِمْلَ الموتِ الحيِّ بها , والقمرُ الأسودُ يتراءى أسـودا 



وصليتِ لــي 



..





أعتـذِرُ ولا كفاتِ اللـغاتِ أوفَت لي حـقّـاً بمعنــاكِ 



يعلمونَ ولا يعلمون ,, أنّكِ لا لـغةَ تحكمُ معنـاكِ 



ولا دمعـةً لمّـاعةً قادرةً على أن تخرجكِ من بينِ ثـنـايـا يدي 



ومن الشرقِ صَحِـبَتْـني الأشـعةُ الفضـيّة بلونِ الذهبِ قالوا أبشري 



ما الهوى وَجَــعٌ إلاّ صحـبَهُ حدّ الحبِّ وجعٌ 



والفرحةُ أدمعت كفَـاكِ ربي 



ولو كـان للموتِ روحٌ .. 



أقسـمـ .. سأعتزلُ القصيـدَ وأقتُلُها 



كي أحبّكِ أكثرَ وأكثرَ ومدى عُمُــري




كتاباآت : نادية عوني الدلو .

الأحد، 3 مارس 2013

قاآآسيـــــــةٌ أنـــــــــــتِ


قاآآسيـــــــةٌ أنـــــــــــتِ 
ما كان يجمعنا شيء من عالمٍ لامعقول ،، كان يجمعنـا ' أمــل ' 
كان يجمعـنا ' حب ' ،، كانت تجمعُنـا ' حياةٌ وفرحـة ' ، ' بسمةٌ وضحكـة ' كانت تجمعـنا ' جنـّـة '

لولا ذاكـ ,, لكانت ليَ جنّـةٌ ولكِ جنـة .. وللأســف , 
لم تـكن تجمعـنا ' دمعـةٌ وحـزن ' 

الآن .. خسـرنا الذلك الشيء ، 
خسـرتُ الأمــل ،
خسـرتُ الحبَّ والحياة والفرحــة ، 

الجـنّة ؟! 
علّ الله يكتبها لي .. معــــــكِ أو بدونِك ، لم يعد يهمني شيءٌ سواهُ وسواهـاآ ، بالبداية كنا نخسـر الدمعـةَ ، 
الآن .. ربحتـها وربحتُ موتــاً وحـدي ،،

ياآ أقسـى خلقِ الله علـيّ .. لم يعد أمرُكِ يهمّنــي ،،
أمتّــني ..
لن أردّ لكِ المـوت ,
لكنـي سأربـحُ شيـئاً أغلى منكِ .. 

الجنـّـــة ...

بعيـداً عنــكِ وبعيداً وأبعدَ من البعـــــد .. 

لقــد حطّمتــني ، 
كسـرتِني ، 
جمدّتنِي وأمتني ،، 

ارحـــــــــلي ولن أتــــركـ معـــــــــكِ قلبـــــي ,, 

لـــــــــن أتـركَ معــــــــــكـِ قلـبي ،، 

وسأنســــى ما جمعـــــنا كلّـــــــــــه ,, 

إلاّ شيئــاً واحــــداً .... 




أنــتِــــــــــــــــــــــ


كتاآبات : نـاآدية عوني الدلو ..

الأربعاء، 27 فبراير 2013

دعينـي أتكلّمُ الآن ..

دعينـي أتكلّمُ الآن ..
اليـومـ لن يكونَ لكـِ في قلـبي كما كـاآن ,ولن يعـود أبداً
قـسمـاً بمن خلق السمـاواآت السبع والأرضـين..
لم يكن تعاملي معكِ إلاّ بكلّ إخـلاصٍ وحــبٍّ ووفـاآءٍ ووعـدٍ قطعتـُه على نفسي ,,

لِمَ أُطيــل عنكِ الحديثَ وأنــتِ لا تستحقينني ؟! 

لقـد أهديتـكِ روحي على طبـقٍ من فضـة وذهـبٍ وماس .. 

لكنــكِ وللأسـف .. 

لسـتِ أهلاً لتحملينها ..

شكـراً على كل دمعة جعلتِـني أذرفـها بعيداً عنكِ ولا تعلمينَ أنكِ سببهـا .. 
شكـراً لكِ على كل معاناةٍ عانيتُها من ألمكِ بقلبي .. 
ولا تعلمين ..

شكـراً لكِ وألف شكـر .. لأنكِ جعلتني أستيقظُ من وهمي معــكِـ


كنــــتِ شيئـــــاً خيـــــــــالــاً في حيــاآتي .. 

وأحبــــــكِ جــداً لأنــكِ رحلــــتِ .. 



لم يعُد لكِ مكــانٌ في قلـــــبي ،،، 


فقـد رحــلتُ عنكِ .. 

ولــن أعـــودَ أبــــــــداً... 

























كـتاباآت : ناآديــة عوني الدلو ..

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

ليتـَكـ تعـلَم ..



ليتـَكـ تعـلَم .. 

الأصلُ لا ينبع إلاّ من صميم القلب , لا حبَّ إلاّ من هناك , لا أملكُ خيالاً يا سيدي , لا أملك طرفةً تلعب بحياتي .. للأسف , لا أملك الخيـال , 
إنني املكُ عالماً يبعُدُ مسيرةَ الآلاف عن الخيال ,

في اللامعقولِ أنا وباللامحدود أحبــُّكَـ.. 

لو تسيّرَ العالمُ تحت إمرتي وما أملك , لجعلتُ منكَ ملكاً على كل حدودِ غيرِ المألوف , ملكُ الصيفِ أنــت , وملكُ الـزّهـر وندى لؤلؤٍ مزركـشِ بين الشراييـن .

أنــتَ كل الحـبّ , أنـــت رِيُّ الظمـآن , أنـــتَ الغيمُ والمطــرُ والشمــس والصيـف ..

سأقـولُ الآن , بأنه لم يعد لي في حياةِ أملٌ سواك.. 
وأنـاآ من سيأتي إليــك .. 

أحبّــك ..

من قاصـرة الحبّ 
إلى : أنــاآ 


كتاباآت : ناديـة عوني الدلو ..

الأحد، 24 فبراير 2013

الجـزء الثاني من " رشفـة عودة "



الجـزء الثاني من " رشفـة عودة "

.....
- إلى أين ستسافر ؟ والأولاد ؟ وأيضاً أين هويتك وجواز سفرك ؟ ثمّ أي دولةٍ حمقاء ستستقبل الموتَ ؟

- الموت ؟!
- يا حاج قاسم , نحن نعيش في مخيمات عربية وترى ما يعاملوننا أهل العرب الجيران من قسوة , لا وظيفة و لا هوية ولا خدمات تدل على أننا بشر على الأقل , الصرف الصحي على الدوام معطل حتى مياه الشرب مالحة كل هذا لأننا نحمل اسم فلسطينيين بل ولاجئين أيضاً , كيف وإن ذهبتَ لدولةِ لا تعرفُ أصلك ؟
- أصبحتُ أشتهي حياةً كريمةً يا رجل , علّي أجدها في الخارج .
- لا تقل هكذا إن الله لا ينسى عبده , وما علينا سوى الصبر , تحملنا القليل والكثير , رأيتَ بدايةَ ما عشناه على أمل عودةٍ قريبة من الخيام , تحولت القيام إلى أسقف ( زينجو ) يكاد ينهار فوق أصحابه , حولنا الخيام لمدارس , ولا زلنا نقاوم في هذه البيوت الهشة , ولا زلنا نجاهد لننال رضا الله . صبراً يا حاج قاسم .. صبراً , فالعودة قريبة .
- حسبُنا الله ونعم الوكيل !  شكراً على كوب الشاي , سأذهب الآن أراكَ قريباً , سلامات .
أعاد الشريط الذي قطعه صوت الحاج عبد إلى ابنه الذي سُجن , وأعادَ أمله من جديدٍ بعودةٍ له , تأسياً بكلام الحاج عبد , ربما كان ابنه يبحث عنه الآن كما هو يبحث , فكيف في نهاية الأمر يبحث ليجد أبيه راحلاً أبعد مما توقع ؟ وأيضاً ها هي الفتاة التي كانت في رحلةِ تخييم كبُرت و تزوجت من ابن عمها وقد طالت رحلةُ تخييمهم .. أما أبنه الأكبر لم يتزوج بعد , والسبب أن اسمه ابن مخيمٍ ولاجئ , كيف يُقبل ابن المخيم الفقير زوجاً ؟! يا حسرة .
تنهداتٌ كثيرة تخرج من فيه , ويداه فوق رأسه , عاد إلى بيتِه داخلاً الغرفة المعيشية الوحيدة  ينظر إليها ويتفقد معالمها عالراحل إلى عالم مجهول , كان مفتاح الأرض وداره معلقاً في وسط الحائط وينظر إليه برأسٍ مرفوع , جلس وإذ بأولاده يتهافتون عليه فحضنهم واستنشق رائحة الأبوةِ التي تصوّر السنين التي كدّها في تربيتهم هنا في المخيم . على العودةِ من جديد تربَّوا وفي كل يومٍ يذكر لهم أملاً جديداً بالعودةِ الموعودة وهو يتمنى من صميم القلب أن يعود لكنه في قرارةِ نفسه يعلم أنه لن يعود لأمرٍ جلل .
- أبي ! ألا نريد أن ننتهي من السفر القاسي هذا ؟ 
يصمت الأب وكأن ابنه يقرأ أفكاره وتترقرق دمعته , فيرفع رأسه لتعود الدمعة في عينيه ويعز عليه أن يُري ابنه ضعفاً
- سنعود يا ولدي حتماً , لا بد أن نصبر ونقف مجتمعين يداً واحدة لنتحرر من هذا القيد , سأعلمكم و أحفظكم قرآناً وعلماً ديناً ودنيا إن شاء الله لتعلموا حجم المسئولية التي تكلفها العودة إلى الديار .
يتكلم الابن البالغ من العمر خمسةً عشرة سنة : أبي , إنني وإخوتي تربيتك , وقد تربينا على الجهاد وعزة النفس والفوز بالمطلب مهما كلف الأمر .
يبتسم الأب ابتسامة فيها عزٌّ وشموخٌ وفرحةٌ لما أنتج من أولادٍ رغم ما ضاع منه .
- سنحرر أخي السجين .
- وسنجد أخي المفقود هذا وعــد .
- حمداً لله أنني سأترك أبناءً قادرين على حمل ما لم يحمله قبلهم . هذا مفتاح أرضي وعودتكم معلقٌ أمامكم , لا تتخلوا عنه يا أولاد .
- من العيب يا أبي أن نتخلّى عما كان صُلبكَ وصُلبنا من بعدك .
أخيراً وعـدٌ بالحرية منشود ..
رحل الأب من على دنياه الفانية إلى رحمة ربه وقد تمنى قبلةً لتراب أرضه , ذلك كان الحدث الجلل الذي ينبع من داخله ألا يرى أرضاً تمنى تقبيلها ولو لمرة أخيرة قد منعه . 
اليوم يا حاج قاسم سروالك وقمبازكَ وكوفيتك ما زالوا في الصندوق الذي قدِمَ معكَ من قريتكَ مخبئينَ إلى حق عودةٍ مشهودةٍ موعودة .
فلم تعد الدموع والأمنيات تحتضر , أصبحت تتلهف بشوقٍ لما كنتَ تتلهف إليه .. 
رحمكَ الله يا أبا القاسم .


كتاباآت : ناآديـة عوني الدلو ..

السبت، 23 فبراير 2013

قصـة .. رشفـةُ عـودة - الجزء الأول



رشـفـةُ عـودة


كيف ينسى نفحاتَ التراب التي كان يمزجها كل يومٍ بين يديه ويسقيها ماءً , يرى نموها يوماً بيوم فتكبر أمام ناظره , تماماً كأولاده , له ثمانيةٌ من الأولاد , هي عائلة فلسطينية الأصل , ومن المعروف أن عائلاتنا تهوى الإنجاب .
اليوم بين الزقاق الحاشرة والحارات الراكدة على إشراقة شمس الصباح , وأنغـام العصافير المسجوعة , ونسماتُ الصباح التي تحفّ بوريقات الشجر الخضراء النضرة تتمايل يسرةً ويمنى .. يمشي الحاج قاسم ويتنفس رحيق الحياة من جديد , ويغيّر الأنفاس المختلطة بعد نومِ عشرةٌ من الأفراد في غرفةٍ واحدة في مخيمٍ للاجئين حامداً ربّه على عودةٍ للحياة من جديد بعد نومٍ مؤقت , صورته الخارجية وهو يلبس ذاك اللباس التقليدي النشمي المتميّز , السروال الواسع وعلى رأسِه العقالُ والكوفيه تعكس صورة الفخامةِ والأصل والعزة , يمشي رافع الرأس شامخاً , من ينظرُ إليه يعرف أنه ابن فلسطين الأم . بينما لو دخلتَ بأعماقه تجده دوماً يستعيد شريط ذكرياتِه الكثيرة المتزاحمة في وجدانه بحلوها ومرها من أول يومٍ قدِمَ فيه هنا للمخيم , كيف كان وكيف صار ..
بادرة الأمر كانت قاسية عندما فقد أحد أطفاله وهو هارب من رصاصات وطلقات اليهود أيام التشريد , للأسف فقدَه بين لوعة الحفظ على الروح والجزء الأغلى من الروح - الابن - بحث عنه بين الجموع المتشردة لم يلقَه , وسأل عنه شتى الأهالي لم يرَوه , نعم ! فصورة التشريد كانت أفظع من أن يخرج من بيته قسراً وتهجيراً تاركاً ذهباً ومالاً وأرضاً وولداً , بل وكرامةً أيضاً , فُقدَ الطفل وانتهى , لم يكن في قلبه أملٌ أن يجده في تلكَ الأيام عندما داهمت قريته الصهاينة ودمروها وهجروا أهلها , ليس عائلة أو اثنتين , أو حيٍّ أو اثنين , هي قرى ومدن ودولـــة . يبحث عن مكانٍ آمن يأوى فيه من المبيتِ على التراب والخوف من رصاصاتِ الاحتلال , وهنا بدأت حكاية اللجوء وتبعتها العودة , أحدهم ذهبَ لأقاربه في سوريا , وأحدهم لشركاء التجارة في لبنان , وآخرون ذهبوا على أركانِ الظلام لا يملكون مساندةً من أي شخص كما فعل آخرون , وقد كان الحاج قاسم أحد أولئك الذين هُجِّروا هو وأطفاله السبعة إلى الأردن حيث كانت الأقرب عليهم صورةٌ تحكي جل المعاناة , الأقدام تقف على الجراح , والعيون تلتقط الحزن التقاطاً والعقل يبحث عن مفردة تليق بوصف كل هذا الألم . على الحدود تصطف الخيام واحدة جانب الأخرى , لا يفصلها عن أختها سوى عشرين سنتيمتراً , واستقلها الجماعة الراحلة مع الحاج قاسم على أمل العودة للديار في أقرب فرصة , وهو يُقنع نفسه بأن الأمر سينتهي عن قريب جداً , حتى مرّ اليوم والاثنين والخمس , والحال على حاله , يستوقفه أمر طفلته الصغيرة بقولها : أبي , متى سنعود إلى البيت ؟ هل نحن في رحلةِ تخييمٍ هنا ؟!
يبتسم ابتسامةً خفيفة على تلك البراءة ويقول : سنعود بعد اسبوعينِ يا حبيبتي لا تقلقي .
فترد أنه لا بأس برحلةِ تخييم , ثم ما تلبث إلا وأن تلهو مع الصغار وتركض حول الخيام .
حرارة العيش ما بين الجيران أبناء الأم الواحدة وأخوة صلبة تسحق أي شعورٍ بالتفرق .. 
- صباحُ الخير يا جاري قاسم , كيف الحال ؟
استوقف شريط الذكريات قاسماً على صوتِ جاره في الشارع الثالث من بيته بينما هو في مسيره , نعم الثالث , كانوا أبناءَ أرضٍ واحدة ولا زالوا , الكل يعرف الكل هنا , ويواسي ويفرح ويعاهد . سلّم الحاج قاسم على هذا الجار من بعيدٍ قائلاً : حياكَ الله يا حاج عبد .
- تفضل تناول الفطور معنا الخبز جهز من فرن الطابون منذ قليل  واشرب كوباً من الشاي الساخن .
- حيا الله أصلَك يا طيّب 
واعتذراً لطلبه , وما أن يلقَ هذا الجار يلحُّ عليه مراراً أخرى في شرب الكوب من الشاي , وإن قاسماً لا يحبُ أن يخذله , قبِلَ عرضَه وجلسا يتجاذبان أطراف الحديث الصباحية عن الوضع الجديد بل في الحقيقةِ وضعٌ مهترِئ .
- ما أخبارك يا قاسم أخبرني ؟ 
- آه يا حاج عبد , أفكر في حالنا أين سيرسو , صبرنا الكثير .
- احتسبْ يا حاج , وما بعد المصيبة إلا الفرج .
- لا أدري لقد أصبحنا في عداد الموتى , لا أحد ينظر في مصيبتنا , أصبحتُ أفكر في السفر بعيداً .
- أي سفرٍ بربك ؟ وحّد الله يا رجل .
- كما أقول لك .
- إلى أين ستسافر ؟ والأولاد ؟ وأيضاً أين هويتك وجواز سفرك ؟ ثمّ أي دولةٍ حمقاء ستستقبل الموتَ ؟
- الموت ؟!


كتاباآت : ناديـة عوني الدلو .. 

رائحـةُ الخبـز هنَـاآ




















إنني أتذكّـر ..

حينَ كانت جدتي في أيام الشتاء ..
صباحاً عند الساعة السابعة ..
توقظني وكأنه المساء
تقول هيّـا اتبعني يكفيكَ ما قبعتَ في الفراش 
وحينَ أقول 

دعيني في رجـاء .. 
كانت تسميني قابعـاً
وكنتُ أسمي نفسي تابعاً ..
بقُبلتها في الصباح .. أستيقظُ باشاً ..
* * * *
تختارني من بينِ أهل البيت فأعودُ أسألها لمَ ؟ تقول 
لأنني أحبـكَ حجمَ السماء
أصمتُ وحجمَ السماء أفرح 
وتذهبُ قشعرةٌ من قطراتٍ باردةٍ كانت تجرح 
أعاني وأنا أجمعُ حطباتِ الزيتون
في أرضٍ كنا صباحاً والكلاب تنبح
لا تخَفْ يا ولدي تقول , وتُشعلُ فرنَ الطابون 
ثمّ تعجن الخبزَ أمامي جدتي وتسرح 
في الخبز أحياناً وكثيراً أخرى تترح 
- يا جدتي لا تسرحي تزداد زخاتُ المطر
فنحتمي تحت عريشةٍ أذكرها سوداء
* * * 
لم تكفِ 
لا الكلماتُ تصيبُ ولا الرعدُ القادم يهيبُ ..
فأقولُ لجدتي : ما بلانا الله على هذه الأجواء ؟
دعينا نرجع في سلامٍ رجاء 
تقول : ليس قبل حكايتي عن جدّكَ 
خذ لحافي أوّلاً وغطِّ نفسكَ
- وأنتِ يا جدتي ؟
- لا تقلق لا عليكَ 
فتشرعُ بالكلماتِ المعتادة على جدي 
يرحمكَ يا جدي ربُكَ
وأنا لولا تلكَ الحكايةِ لما استيقظتُ في قلب المساء
لخبزٍ يحضره مخبز حيِّ الوفاء


جاهزاً , ولكنه من يدي جدتي طعمٌ تحكيهِ بلدُكَ 
في الستينَ سنةٍ الماضيةِ يا دامَ عزُّكَ
كان بدلاً منكَ جدُّكَ
في مثلِ سنكَ
مع جدّته , وأنا كنتُ مع جدي 
وشرعت تبكي ..
لحظةً جدتي ..
ألن يعودَ جدّي كما قلتِ ؟
سأخبركَ حقيقةً يا بني 
لكن لا تحزن حجمَ حـزني ..
صمتٌ هيّبني ..
- جدُّكَ ماتَ وأودعني 
- كيف ؟؟
ذهبَ عند الصهيونِ وأدوعني دونَ طيف 
تداخلت دمعاتي مع قطراتِ المطر وكأنه السبب فيها
خففتُ عنها وقلت لربِّكِ ذريها 
وكأنها لم تعلم يوماً أنني أصبحتُ الآن مثلَ جدي
يعيشُ المرارةَ ويُقاسيها 
لأجل كرامةِ وطنٍ مجبرٌ أعانيها 
واليومَ علمتُ يا جدتي ..
أن أجملَ أيامَ حياتي عندَ السابعةِ في أيام الشتاء 
معكِ ومع مخملِ الرداء
وقتَ كنتُ أتذمّــر فيها 
فاعذريني واعلمي أنني أتذكّـــر ..
كتاباآت : ناديـة عوني الدلو ..


ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﻄﺮﻕ ﺑﺎﺏ ﺟﺎﺭﺗﻬﺎ ﺑﺎﻛﻴﻪ ،
ﺗﻔﺘﺶ ﻋﻦ ﻃﻔﻠﻬﺎ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩ !
ﺗﺮﺗﻌﺐ ﺍﻟﺠﺎﺭﺓ ﻛﻞ ﻣﺮﻩ
ﻭﺗﺨﺮﺝ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻃﻔﻠﻬﺎ
ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺮﻑ ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻧﻪ ﻣﺎﺕ
ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ !
ﻗﻤﺔ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ
ﺗﺮﻯ ﻫﻞ ﻧﺤﺘﻤﻞ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀﻧﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﻮﻧﻬﻢ، ﻣﺮﺿﻬﻢ ، ﺻﺪﻣﺎﺗﻬﻢ ،
ﻏﻀﺒﻬﻢ، ﻣﻮﺍﻗﻔﻬﻢ..
ﺃﻡ ﺃﻧﻨﺎ ﻧﺮﻳﺪ ﻓﻘﻂ ﺃﺻﺪﻗﺎﺀ ﺻﺎﻟﺤﻴﻦ ﻋﺎﻗﻠﻴﻦ ١٠٠٪ ﻭﺑﺼﻼﺣﻴﺔ
ﺃﺑﺪﻳﻪ